عاش العرب في جزیرتهم الأولی علی شکلٍ ابتدائي فیمایبدو، فقد عرض الباحثون لطبیعة العبث والنهب والسلب ورکوب الاخطار، وصوّروا العربي فی صفات لا تعلق إلا بالقساة والمتوحشین [1]ورأوا أنّهم کانوا یتنافسون علی الریاسة، وأنّه قلّما یُسلمُ واحدٌ منهم الأمرَ لغیره ولوکان أباه أوأخاه أوکبیر عشیرته، فتعدّد احکام والأمراء.ویضیف ابن خلدون أنّ العرب أصعب الأمم انقیاداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبُعدالهمّة والمنافسة.وانتهی غیرُه إلی أنّ العربيیثور علی کلّ سلطة ٍ تُحاولُ أن تحدّد ممن حریته ولوکانت في مصلحته، فهودیمقراطي مسرفٌ في دیمقراطیته إلی حدٍّ بعید، وهوعصبي المزاج، سریع الغضب یهیج للشئ التافه، ثمّ لا یقف في هیاجه عندغایة، وهواشدّ هیاجاً إذا جُرحت کرامته أوإنتهکت حرمة قبیلته.فإذا اهتاج َ أسرع إلی السّیف واحتکم إلیه، وبادر شاعره إلی اللسان فَسلطه في شعر فیه الحماسة ُ وفیه الهجاء المقذع یصوّر العدوهزیلاً والمهاجمَ ضعیفاً، ویبعثُ في نسبه الضعفَ وفی خلقه الصغار وفي شکله الزرایة. [2]
ومردّ هذا الخلق عنداکثر الباحثین الی طبیعة الأرض من فقر وإجداب، وضیق الأفق بالسکان، فینتعشُ البؤسُ وتشتد الحاجة، وتحمدُ الشجاعةُ والوفاءُ والکرمُ، ویذمّ الجبن والخیانة والبخل، وتنتحل الأنساب، ویدورالشاعر الهاجي حول هذه الموضوعات لیصیب مقتلاً من خصومه، ویسرع إلی القوافي والصور فیصبّ غضبه علی الولاة والحکام والأمراء .الملوک، ویتناول المذاهب والادیان والعقائد، وینتصر لفریق علی فریق، کأنّه في حزب سیاسي أوفرقة دینیّة، أوفي دعاوة سیاسیة واجتماعیة، کصحافة الیوم.
وکان من ذلک کلّه دیوان في الهجاء کبیر، برعفیهالشعراء في القول والبلاغة والفصاحة، فعرضوا للأنساب والأحساب والأعراض والأخلاق فصوّروها في خیال صادق أوکاذب، لا یبالون بما یعترض سبیلهم من سمعة تتحطم أوکرامة تتهشّم أوأرومة تتهدّم، أونسب ینهار ءوعرض یفضح.فقد کان الهدف النصر علیالخصم لیس غیر، یتناولونه من نواحیه فیبرزونه في شکلٍ مُخزٍ، ویضعونه موضعَ السخریة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق