اوجه التشابه في حياة الجواهري والمتنبي
كان كلٌّ من المتنبي والجواهري ثائراً أبداً ، زاخراً بالطموحات ، وكانا يعتقدان أنهما خُلقا ليتبؤا مكاناً يستحقانه عن جدارة ، لكنهما لم يحققا ما كانا يصبوان إليه ، فإزداد كلٌّ منهما نقمة وتبرماً بالحياة وبالملوك وبالناس الذين لم يقدروهما ولم ينصفوهما ، وبالشعراء الذين حاولوا عبثاً وسفهاً النيل من شاعريتهما ؛ لذلك جاء شعرهما مؤطراً بالإباء والشمم وعزة النفس حد الغرور والنرجســية ، وماذاك إلا رد فعلٍ للحرمان الذي رافق كلاً منهما في حياته
لقد عانى كل منهما قسوة َالغربة والإغتراب النفسي ، والإحباط وخيبة الأمل في تحقيق الأماني الكبار
، وفارقا الحياة وفي نفس كلٍّ منهما مرارة وحسرة وألم
إستطعت تشخيص هذه الأوجه من التشابه بين حياة وشعر هذين العملاقين ويبقى الباب مفتوحاً
لمن يُريد أن يُدلي بدلوه في هذا المجال الرحيب الخصيب
أولاً : في الأباء وعـزة النفس
المتنبي
فلا عبَرت بي ساعةُ لا تُعزِني
ولاصاحبتني مهجةٌ تقبل الظلُما
وله أيضاً :ـ
ونفسٍ لاتجيبُ إلى خسيسِ
وعينٍ لاتدارُ على نظيرِ
الجواهري
واللهِ لو أوهب الدنيا بأجمعها
مابعتُ عزّي بذلٍ المترفِ البطرِ
ثانياً :ـ الإعتداد بالنفس وبالموهبة الشعرية
المتنبي
أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي
وأسمعتُ كلماتي من به صَممُ
سيعلم الجمعُ ممن ضمّ مجلسنا
بأنني خير من تسعى به قدم
الجواهري
أقول لنفسي إذا ضمّها
وأترابها مجلسٌ يُزدهى
تسامي فإنك خيرُ النفوس
إذا قيس كلُ على ما أنطوى
ثالثاً :ـ الصلابة والصمود والتحدي
المتنبي
امثلي تأخذُ النكباتُ منه
ويجزعُ من ملاقاةِ الحمامِ
وقال أيضاً
كنْ أيها السـجنُ كيف شئت
فقد وطنتُ للموت نفسَ معترفِ
الجواهري
ماحطمت جلدي يدُ النوبِ
لكن تحطمت النوائبُ بي
أنا صخرةٌ ما أن تخوفني
هذي الرياح الهوجُ بالصخبِ
رابعاً :ـ الإفتخار بالنفس والنسب
المتنبي
لابقومي شرفتُ بل شرفوا بي
وبنفسي فخرتُ لابجدودي
الجواهري
ومناشدي نسباً أمتُ بهِ
لم يدر ما حسبي وما نَسبي
عندي من الأموات مفخرةٌ
شماء مُربيةٌ على الطلبِ
خامساً :ـ الإستعلاء على المتشاعرين الذين حاولوا النيل من شاعريتهما
المتنبي
أفي كل يومٍ تحتَ ضبني شويعرٌ
ضعيفٌ يُقاويني قصيرٌ يطاولُ
الجواهري
أفصقرٌ طريدةٌ لغرابِ
وبليغٌ ضحيةٌ لبليدِ
وله أيضاً :ـ
عدا عليَّ كما يستكلبُ الذيبُ
قومٌ ببغداد انماطٌ أعاجيبُ
سادساً :ـ التحدي
المتنبي
ميعادُ كلّ رقيق الشفرتين غداً
ومن عصى من ملوكِ العربِ والعجم
الجواهري
أنا حتفهم ألجُ البيوت عليهمُ
أغري الوليد بشتمِهم والحاجبا
سابعاً :ـ الغربة والإغتراب النفسي
المتنبي
ما مقامي بأرض نخلةَ إلاّ
كمقام المسيح بين اليهودِ
أنا في أمة تداركها الله
غريب كصالحِ في ثمودِ
الجواهري
أرخ ركابكَ من أينٍ ومن عثرٍ
كفاك جيلان محمولاً على الخطرِ
ثامناً :ـ التبرم بالحياة وبالناس
المتنبي
أذمّ إلى هذا الزمان أهيلهُ
فأعلمهم فدمٌ وأحزمهم وغدُ
وله أيضاً :ـ
ودهرٌ ناسه ناسٌ صغارُ
وإن كانت لهم جثثُ ضخامُ
الجواهري
قلَ صبري على زمانٍ ألدّ
وخطوبٍ ألبستني غيرَ بُردِ
تاسعاً :ـ في التوجع والإحباط واليأس
المتنبي
فأياّ شئت ياطرقي فكوني
أذاةً او نجاةً أو هلاكا
الجواهري
أيستُ من كل مطلوبٍ أؤَملّهُ
وأصبح ألموتُ من أغلى مطاليبي
وله أيضاً:ـ
ذوى شبابي لم ينعم بسراّء
كما يذوي الغصنُ ممنوعاً من الماءِ
عاشراً :ـ الندم على مدح من لايستحق
المتنبي
ومن نكدِ الدنيا على الحرّ أن يرى
عدواً لهُ ما من صَداقتهِ بُدُّ
الجواهري
ولَكَم قلقتُ مُسهداً لمواقفٍ
حَكمت عليّ بأن أداري مُبغضا
مدحتُ من لا يستحقُ و راقَ لي
تكفيرتي بهجائهٍ عماّ مَضى
حادي عشر :ـ في الحكمة
المتنبي
مَن يهُنْ يَسهلُ الهوانُ عليه
مالجُرحٍ بميتٍ إيلامُ
وله أيضاً :ـ
الرأي قبل شجاعة الشجعانِ
هو أولٌ وهيَ المحلُ الثاني
الجواهري
مُذْ حُكمَتْ سادةً في الموالي
تَنَسَمتْ الأرضُ ريحَ النضالِ
الثاني عشر :ـ في الوصف
حين تصفو الحياة وترق للشاعر، فأن شعره ينساب ويفيض عذوبة وجمالاً ، كما
سنلاحظ المتنبي يصف منظراً جميلاً في إيران يسمى ( شعب بوّان ) وهو وادٍ بين جبلين
المتنبي على لسان حصانه :ـ
يقولُ بشعبِ بَوّنٍ حصاني
أعن هذا يُسارُ الى الطعانٍ
أبوكمُ آدم سَنَ المعاصي
وعلَمَكمُ الخروجَ منَ الجِنانِ
الجواهري
كأن ميأّس الغصون إذا انتشى
غَبّ السحابِ يَعُبُ صرفَ سُلافِ
الثالث عشر :ـ في الغزل
المتنبي
صمد المتنبي حيناً من الزمن بوجه الجمال ولكنه خضع أخيراً فقال :ـ
وَعَذلتُ أهلَ العشق حتى ذُقـتُهُ
فعجبتُ كَيفَ يَموتُ مَنْ لايعشَقُ
وقال أيضاً :ـ
يَترشفْنَ من فمي قبُلاتِ
هَنَّ فـيه أحلى من التوحيدِ
الجواهري
فَويقَ صدرك من رفـق الشباب بهِ
أَشهى وأعنف ما يُعطي لمتنهدِ
ومن قصيدة افروديت
لكِ صدرُ كسلة الزهرِ
بالنهدين نطت فويقهُ زهرتانِ
,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق