الاثنين، 25 أبريل 2016

شرح ابيات المتنبي



أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني
وفرق الهجر بين الجفن والوسن

روح تردد في مثل الحلال أذا
أطارت الريح عنه الثوب لم يبني

كفى بجسمي نحولا أنني رجل
لولا مخاطبتي أياك لم ترني


      قال أبو الطيب أحمد بن الحسين الكوفي الجعفي رحمه الله وهو أول شعر قاله في صباه
      أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن
      يقال بلى الثوب يبلى بلى وبلاء. وأبلاه غيره إبلاء. والأسف: شدة الحزن. يقال: أسف يأسف أسفاً فهو آسف وأسيف، ومعنى إبلاء الهوى البدن: إذهاب لحمة وقوته، بما يورد عليه من شدائد. وخص يوم النوى، لأن برح الهوى إنما يشتد عند الفراق، والهوى عذب مع الوصال سم مع الفراق كما قال السرى الرفاء:
      وأرى الصبابة أريةً ما لم يشب ... يوماً حلاوتها الفراق بصابه
      وانتصب أسفاً على المصدر، ودل على فعله ما تقدمه من قوله: أبلى الهوى لأن إبلاء الهوى بدنه يدل على أسفه، فكأنه قال: أسفت أسفاً، ومثله كثير في التنزيل؛ كقوله تعالى: " صنع الله الذي أتقن كل شيء "، ويوم النوى: ظرف للإبلاء، ومعموله. ويجوز أن يكون معموله المصدر الذي هو أسفاً.
      والمعنى يقول: أدى الهوى بدني إلى الأسف، والهزال، يوم الفراق، وبعد الهجر من الحبيب؛ بين جفني والنوم. أي: لم أجد بعده نوماً ولا راحة.
      روحٌ تردد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن
      يقول: روح تردد: أي تجيء وتذهب، في بدنٍ مثل الخلال في النحول والدقة والهزال، بحيث إذا طيرت الريح عنه الثوب لم يظهر ذلك البدن لدقته. أي: إنما يرى لما عليه من الثوب، فإذا ذهب الثوب فهو لا يرى. ومثل الخلال صفة للموصوف المحذوف، تقديره: في بدنٍ مثل الخلال.


    وأقرأني أبو الفضل العروضي: في مثل الخيال؛ وقال: أقرأني أبو بكر الشعراني خادم المتنبي: في مثل الخيال وقال: ولم أسمع الخلال، وما دونه من البيت يدل على صحة هذا، وإن الوأواء الدمشقي سمع هذا البيت فأخذه وقال:
    وما أبقى الهوى والشوق مني ... سوى روح تردد في خيال
    خفيت على النوائب أن تراني ... كأن الروح مني في محال
    كفى بجسمي نحولاً أنني رجلٌ ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
    يقول: كفاني نحولاً كوني رجلاً، لو لم أتكلم لم يقع علي البصر، أي إنما يستدل علي بصوتي، كما قال أبو بكر الصنوبري:
    ذبت حتى ما يستدل على أني حي ... ي إلا ببعض الكلام
    وأصل هذا المعنى قول الأول:
    ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
    والباء في بجسمي زائدة، تزاد مع الكفاية عنها؛ في الفاعل كثيراً كقوله تعالى: " وكفى بالله شهيداً " " وكفى بك على هؤلاء شهيداً " " وكفى بربك هادياً ونصيراً " وتزاد مع المفعول أيضاً كقول بعض الأنصار
    وكفى بنا فضلاً على من غيرنا ... حب النبي محمدٍ إيانا
    معناه كفانا فضلاً، فزاد الباء وقد قال أبو الطيب
    كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
    فزاد في المفعول في قوله: بجسمي لما ذكرنا وانتصب نحولاً، على التميير، لأن المعنى كفى جسمي من النحول.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق