الأحد، 10 يوليو 2016

مواقف واسرار في حياة عمر الشريف في الذكرى الاولى لرحيله

Bildresultat för صور عمر الشريف


تحل اليوم 10 يوليو الذكرى السنوية الأولى، لرحيل الفنان العالمي عمر الشريف، وبهذه المناسبة ننشر مقال خبير الآثار الدكتور زاهي حواس، الذي يعد من أقرب أصدقاء عمر الشريف، والذي كشف من خلاله عن العديد من أسراره الخاصة..

وهذا نص المقال:

لن أنسى آخر مرة قابلت فيها صديقى عمر الشريف وذلك قبل وفاته بنحو أسبوع ذهبت ومعى طارق ابنه لزيارته فى المستشفي..

وقبل هذه الزيارة اتفق طارق مع عمر لكى نلتقى نحن الثلاثة على الافطار وعندما توجه طارق لكى يحضر معى رفض الخروج تماما وهو من عشاق اللقاء الدائم على العشاء لذلك توجهت لزيارته خاصة لاننى كنت سأسافر للخارج.. وعندما وصلنا إلى حجرته بالمستشفى وجدناه نائما وحضرت الطبيبة المعالجة لمقابلتنا.

وأشارت إلى أن عمر امتنع عن الأكل والشرب تماما، ولذلك يعطونه المحاليل.. وقفت أمام عمر انظر إليه والدموع تسقط من عينى وقد وجدته يفتح شفتيه وتخيلت أنه يقول: يارب.. وقد حدث منذ أشهر قليلة أن طلب منى الصديق د.أشرف زكى أن طلاب الدفعة التى سوف تتخرج فى اكاديمية الفنون أملهم فى مقابلة عمر الشريف واتفقت مع عمر على المقابلة فى الفندق وتوجهنا إلى الأكاديمية ووقف لمدة دقائق قليلة أمام الطلاب وهم يصفقون ولم يتكلم، وفى طريق العودة أحس عمر بآلام فى صدره تحدث له ولأول مرة وطلبت منه أن نقف أمام صيدلية لاحضار مسكن ورفض تماما.

وكان لا يقبل فى حياته تناول أى نوع من الدواء حتى ولو أسبرين لكن طوال الطريق كان يردد ويقول: يارب لا أعرف لماذا أحسست أن هذا اللقاء داخل المستشفى مع عمر هو اللقاء الأخير ولذلك تحدثت مع طارق عن ضرورة إعداد القبر من الآن لأن الموقف كان واضحا أن عمر سوف يفارقنا ويترك أعز شيء عشقه وهى محبوبته مصر.

كان يحب بلده بدرجة غير عادية ولم يعلق فى حياته على أى شائعة تطلقها الصحافة وسمعنا أحدهم يقول إن أصله يهودى وهذا الكلام ليس له أى أساس من الصحة فهو مسيحى من طنطا وأعلن إسلامه بعد زواجه من فاتن حمامة وعندما قمنا بعمل الرقم القومى لعمر وذهب معى إلى السجل المدنى وجدت أن خانة الديانة مسلم لكن عمر كان إنسانا جميلا متسامحا لا يفرق بين الاديان ويقول إنها اديان الله.

وذلك عندما هوجم بشراسة بعد أن مثل أمام بربارا شتراوس وقال عمر عبارته الشهيرة عندما أقبل فنانة لا أسألها عن ديانتها ولا أنسى ما كان يفعله لمصر فكان يرفض أن يتقاضى أى أجر عندما يفعل شيئا لمصر وفى احد لقاءاتنا قال لى عمر إننى أعرف أن المصريين يحبون عمر الشريف أنا عايز أوجه لهم رسالة علشان يحافظوا على الآثار وسجل لنا ثلاثة موضوعات عرضت على جميع القنوات فى مصر وأشهر إعلان كان عن الواد بليه.

أما الموضوع الثانى فقد جاء فى بداية علاقتى به كصديق عندما طلب منى التليفزيون الإيطالى أن اناظر ثلاثة أشخاص أحدهم أمريكى والآخر بلجيكى والثالث انجليزى كتبوا العديد من الكتب عن الأهرام ويشيرون فيها إلى أن عمر الأهرام 15 ألف سنة أى أن الفراعنة ليسوا بناة الأهرام وطلب منى أن أناظرهم وهم داخل الاستديو فى روما وأنا فى القاهرة أمام أبوالهول، وذلك فى الساعة الحادية عشرة مساء فى ديسمبر.

وكان الجو باردا جدا بمنطقة الأهرام ولم أكن معروفا فى إيطاليا فى أثناء هذا الحدث ولذلك أحسست أن المعركة فاسدة خاصة ان هؤلاء الاجانب حصلوا على شهرة كبيرة من خلال الخزعبلات والكذب الذى يطلقونه عن حضارتنا العظيمة واتصلت بعمر الشريف ضاحكا وقلت له عمر: هل تقبل أن تقوم بدور كومبارس لأول مرة فى حياتكم ورد على بغضب «يعنى ايه اللى انت بتقوله ده» وشرحت له القصة وقلت له ان وجودك بجانبى وانت معشوق الإيطاليين سيجعلهم يسمعون ما أقوله وفعلا حدثت المناظرة وكسبنا الجولة بفضل عمر الشريف وحبه لمصر.

على الرغم من أنه أمضى معظم سنين عمره طائرا طليقا فى بلاد العالم بعيدا عن بلده ومعشوقته مصر فإن السفر والترحال والتعامل مع فنانين عالميين لم يغير من طباعه المصرية شيئا فلايزال عمر الشريف هو الشاب المشاغب ابن نكتة يفهمها وهى طايرة كما يقول المثل الشعبى وقد برهن على سرعة بديهته فى الكثير من المواقف التى جمعتنا فهنا أشير إلى أحد هذه المواقف فقد كنت اجلس معه وبعض الاصدقاء فى أمسية رائعة امام أبوالهول فى انتظار ظهور المطربة الاسترالية كايلى مينوج Kylie Minogue التى تعيش حاليا فى لندن لكى تغنى امام أبوالهول.

وقد تطرق الحديث إلى عمر المطربة الاسترالية المعروفة.. وقلت للحاضرين ان ياسمين شحاتة رئيس تحرير مجلة إينجما Enigma ـ التى دعت المطربة للحضور إلى مصر والغناء أمام أعظم وأهم أثر فى الدنيا، أبو الهول أخبرتنى أن عمر كايلى نحو ثلاثين عاما.

وأضفت أننى تأكدت أن هذا ليس صحيحا عندما قابلت المطربة فى الصباح لكى أتحدث لها عن أبو الهول، والأهرام، وعلى الرغم من جاذبيتها وجمالها فإنها لا يمكن أن تكون فى الثلاثين من عمرها!

وفاجأنا عمر الشريف بعبارة مقتضبة عن معان كثيرة جعلتنا نضحك من القلب حيث قال: "إنه وهو شاب فى السادسة عشرة من عمره كان من أشد المعجبين بصوت كايلى مينوج".

ومن الحديث عن عمر المغنية الاسترالية بدأ عمر يحدثنا عن ذكرياته مع أبو الهول، وعندما يتحدث عمر بسحره وكاريزمته المعروفة لا تملك إلا أن تستمع وتصدق.. وقد عرفته كصديق فى عام 1977 عندما كان التليفزيون الأمريكى يعد فيلما تسجيليا عن مصر وحضارتها بث مباشر من الأهرام إلى أمريكا وكانت هذه أول مرة يذاع برنامج على الهواء من مصر.

وكان عمر هو الفنان الذى اختير للتعليق على الفيلم الذى حمل اسم «أسرار الأهرام»، ولم يتم المشروع كما كان مخططا له بسبب مهاجر مصرى بكندا استطاع بطرق غير مشروعة ان يشترى حق البث المباشر من التليفزيون المصرى وهيئة الآثار ـ فى ذلك الوقت ـ فى اليوم الذى اختاره التليفزيون الأمريكى حيث الفيلم الوثائقى على الهواء مباشرة من أمام الأهرام.

وكان قصة درامية لأن المهاجر كان يريد أن يبيع هذا الحق الذى حصل عليه للتليفزيون الأمريكي، ولن أخوض فى الوسيلة التى استطاع بها هذا الشخص أن يحصل على هذا الحق غير المشروع.

ولذلك قرر التليفزيون الأمريكى أن يذيع البرنامج على الهواء مباشرة من قلعة اللورد كارنا فون ممول حفائر مقبرة توت عنخ آمون.. وطبعا مصر خسرت الكثير بسبب الفهلوة وانعدام الضمير.. إلا أن أغلب مشاهد الفيلم تم تصويرها فى مصر ومنها ما جمعنى وعمر الشريف عند أبو الهول وداخل حجرة الدفن للملك خوفو بالهرم الأكبر.

ومن ضمن ذكريات هذا الحدث هو سؤال عمر الشريف لى «عما كنت أتمنى أن أكون فى زمن الفراعنة». وكانت إجابتى أننى كنت أتمنى أن أكون الملك خوفو نفسه وأشاهد المصريين والمهندسين العباقرة وهم يبنون المستقر الأخير لملكهم وهو الهرم، وبعد هذه الاجابة وجدت سيلا من خطابات علماء الأرواح أو ما يسمون أنفسهم "الروحانيين" يحدثون عن الماضى السحيق الذى يربط بينى وبين عمر والفراعنة.

ومن المواقف الطريفة مع عمر أننا كنا نجلس مع بعض الأصدقاء وقد وجدت نفسى أقول لمن معنا أنه يجب عليّ أن أؤلف كتابا اسميه أنا وعمر الشريف.

ولم أكد انتهى من كلامى حتى صرخ عمر فينا قائلا: شفتوا دايما يحط أنا قبل عمر الشريف.. وانفجر الجميع بالضحك مرة أخرى على قفشة من قفشات الفنان العبقرى عمر الشريف الذى يدل على تواضعه وعدم تكلفه فى كل مواقفه وابتسامته التى يقابل بها الجميع لدرجة انه دائما ما يذكر فى كل جلسة تجمعنا مع الأصدقاء أننى أكبر منه فى أمريكا على الرغم من أن هذا الكلام غير معقول فعمر هو أكثر مصرى فى الخارج يعرفه ويحبه الجميع.

فقد كان فضل شهرته على حد قوله يرجع لأمه التى وجدته بدين الجسم لذلك ارسلته إلى مدرسة انجليزية لكى لا يأكل ويتعلم الانجليزية ولذلك عندما كان يبحث دافيد لين عن ممثل عربى لكى يلعب دور الأمير فى فيلم لورانس العرب وجد ذلك فى عمر.. وأعطاه الله سبحانه وتعالى ذكاء حادا ولذلك أتقن خمس لغات بطلاقة حتى انه مثل فيلما باليابانية ولذلك فقد دخل قلوب الناس فى كل مكان.

وفى آخر أيامه حضر لمصر من باريس.. وكنت أتقابل معه يوميا ونذهب معا لنقابل العديد من الأصدقاء وبدأت أحس بأن هذا المرض اللعين أصابه.. ولم يكن يعرفنى فى بعض الأحيان ولكن دائما يفتح حافظته لكى نشاهد صورته وهو صغير فى عمر عامين.. وقد حضرنا معا حفلا فى منزل د.راضى سعد أستاذ الجراحة المعروف.

وكان عمر مبتسما يتحدث أنه وصل إلى عمر 83 ويتحدث عن فيلمه لورانس العرب.. ومن أجمل اللقاءات التى جمعتنا عندما دعانا رئيس جمهورية الدومينيكان للزيارة، وذلك لكى يتم تكريم عمر فى مهرجان السينما وكان هذا الرجل من المعجبين بعمر وأمله أن يلتقى معه، وعندما قابله لأول مرة أخبره أنه شاهد فيلم دكتور زيفاجو عشرات المرات، وفى المهرجان وقف الرئيس ومعه المثقفون والفنانون فى الدومينيكان يصفقون له لمدة 15 دقيقة.. ووجدت الدموع تنهمر من عينيه وهو يرى هذا التكريم العظيم من العالم كله.

.. دائما يقول لى عمر إننى أود أن أدفن فى بلدى معشوقتى مصر.. وعندما حضر للقاهرة مع طارق.. كان هذا الابن بارا بأبيه وفعل له كل شيء من أجل إسعاده ومن أجل صحته.. وعندما زرنا عمر معا قال لى طارق إنه سوف يذهب مع عمر الى باريس بعد أن تتحسن صحته.. ومات عمر لكى يدفن فى تراب مصر وبجوار الأهرام التى عشقها.. وفى شهر رمضان المبارك.

كان عمر مصريا يفخر بمصريته فى كل مكان ولم يحاول أن يحصل على أى جنسية أخري، فقد حمل جواز سفر واحدا فقط.. جواز سفر مصريا.. لا أعرف معنى الحياة بدون هذا الصديق ولكن رحل عنى أجمل وأعز صديق.. أفخر بعالميته وبحبه لكل المصريين وسوف يظل اسمه محفورا داخل قلوب كل الناس فى كل مكان.. وداعا يا صديق العمر.

و كان ذلك خلال مقال كتبه د.زاهي حواس لجريدة الأهرام ليكشف عن اسرار و مواقف جمعته بصديق عمره عمر الشريف الذي فارقه في العاشر من يوليو و في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان الكريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق