الصالونات المذهبه والجلسات المترفة، والسلاملك والحرملك والموسيقى من وراء ستار. والطربوش يعلو الرؤوس في اهتزازات تعني السلطنة من موسيقى شرقية عربية وأحيانا تركية وفي أحيان أخرى فارسية تنبعث من خمس آلات، هي في الأصل أربع، وأضيفت لهما الخامسة لما لها من عذوبة وحساسية.
أما الآلات الأربعة، اثنتان منها وترية: العود والقانون، والثالثة إيقاعية تسمى الدف، أما الرابعة فسميت بالشجية وتنتمي لآلات النفخ واسمها الناي. وأضيفت إليهما الآلة الخامسة والتي تنتمي للعائلة الغربية، لكنها تمتلك احساس الشرق وعذوبته وتسمى الكمان.
وكل هؤلاء كونوا ما عرف في الموسيقى الشرقية بالتخت الشرقي. والتخت لفظه فارسيه الأصل معناها المكان الذي يتوسط المجلس، لذا كان يلتف حول موسيقاه الناس ومن ثم حول المطرب الذي يعد عميد أو رئيس التخت. ودائما ما يصاحب التخت مطرب بعكس المقابل له في الموسيقى الغربية ويسمى بموسيقى الحجرة والتي عرفت بهذا الاسم لأنها كانت تعزف داخل حجرات القصور الملكية مثل التخت الشرقي في بداياته، حيث عرفته حجرات القصور قبل خروجه لعامة الناس.
التخت الشرقي كان نظاما غنائيا موسيقيا منذ فترة العشرينيات من القرن الماضي، وكان لكل مطرب أو مطربة تخت مصاحب له مكون من خمسة لستة عازفين على الآلات الشرقية، واستمر هذا النظام إلى فترة الأربعينيات ونهايتها. ومع تطور الزمن أصبح مصطلح التخت الشرقي ذكرى تعيش عليها الأجيال الموسيقية العربية في محاولات لاستعادته مرة أخرى دون جدوى، بسبب سرعة إيقاع الزمن، حيث ارتبطت موسيقى التخت الشرقي بالسلطنة والاستماع باستمتاع، والدخول في تفاصيل الألحان المنبعثة من الخمس آلات وصوت المطرب الذي يزيد من اهتزازات الرؤوس عند الاستماع إليه وهو يتغنى بالموشحات والطقاطيق والدور. ولكن «محسن فاروق» المطرب الأول في فرقة الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية ومؤسس فرقة أساتذة الطرب التي ما زالت تتغنى ببعض الطقاطيق والموشحات القديمة، يقول ليس معنى اختفاء الشيء أو ندرته هو عدم وجوده من أصله. وحول أصول التخت الشرقي الذي اختلفت حوله الآراء، حيث أرجعه البعض لعصر الفراعنة استدلالا بالنقوشات التي تجمع عددا قليلا من العازفين في مجلس واحد، وآخرين أرجعوه للفرس بسبب اسمه الفارسي، إلا أن «محسن فاروق» أكد أن شرقيته وأصالته العربية لا تجعلنا نستطيع إلصاقه بأية حضارة غير الحضارة العربية بصفة عامة. وعرف التخت الشرقي بأنه مجموعة منتقاة من العازفين تعمل على توصيل الأداء المهاري والفني المصاحب للمطرب والبطانة المصاحبة له.
وأول تخت شرقي عرف وأشتهر في أوائل القرن الماضي اسمه تخت إبراهيم سهلوان، في مصر وأنشئ لمصاحبة المطربين، وغنى معه الكثيرون، ومنهم أم كلثوم، وكذلك تخت العقاد الكبير محمد العقاد الذي عرف باسم قانون جي الشرق، حيث القانون هو الآلة المسيطرة على التخت لما لها من تأثير على ضبط الحالة المقامية الغنائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق