الجمعة، 1 يوليو 2016

وديع الصافي ( القسم الثالث والاخير من مسيرته الفنية )





عندما اندلعت الحرب الأهلية البغيضة عام 1958 سافرت إلى بنما في رحلتي الاغترابية الثانية كي أوفّـر لعائلتي لقمة العيش في تلك الفترة القاسية من الحوادث . لم تكن رحلة بنـما موفقة البتّة ، اذ مرضت هناك وتقطّعت بي الأسباب كلها لا أكلاً ولا مبيتاً ولا وسيلة سفر ، فأرسلت الى صديق لي ليسعفني فقام مشكوراً بارسال المال اللازم لتأمين عودتي الى أرض الوطن فعدت عام 1959 .
لم أكن قد شاهدت مهرجاناً من قبل ، إلا أنّ زوجتي كانت قد شاهدت مهرجاناً وأخبرتني ، وكان الرحابنة قد خاضوا التجربة عام 1957 في بعلبك ونجحوا . لم تكن المهرجانات في مزاجي أصلاً لأنني كنت أرى أن موسم الصيف كله سيضيع لقاء 15 الف ليرة بينما كنت أكسب في موسم الصيف من 100 الى 125 الف ليرة ، هذا عندما كان الدولار بليرتين . قلت لنفسي : لقد خدمت لبنان في الغربة كثيراً وحان الوقت لأهتمّ بمصلحتي وأترك الفرصة لغيري ليخدم لبنان من خلال المهرجانات !
ثم أرسل لي رئيس الجمهورية كميل شمعون طالباً اليّ أن أوافق على الاشتراك في مهرجانات بعلبك الدولية فوافقت . ولقد شاركت في :
* "العــرس في الـقـرية" في "مهرجان بعلبك" عام 1959 مع فيروز والرحابنة والذي غنيت فيه "البيــر" ، من نسج الرحابنة وتنضيدهم . وأذكر أنّ خلافاً نشب بيني وبين الرحابنة بعد إغفال اسمي من الاعلانات أدّى الى معاقبتي باختصار دوري في الغناء في مهرجان تلك السنة ، فاتّفقت مع توفيق الباشا قائد الفرقة الموسيقية أن أشير له لتستقرّ الآلات على نغمة معيّنة فأقوم أنا بإكمال ما اختصره الرحابنة ، في ارتجال على المسرح مباشرة أمام الجمهور ، وهذا ما حصل بالفعل ؛
* "موسم العزّ" في "مهرجان بعلبك" سنة 1960 حيث أشرك الرحبانيّان صباح معي - وكانت أهمّ من غنّى وتجاوب معي في الغناء الريفي من الأصوات النسائية ولها طلّة استعراضية شكلاً وصوتا ً- فكان نجاحاً كبيراً وأفضل بكثير من وجهة نظري من المهرجان الأول . غنيت فيه مع صباح : الله معك يا زنبقة وعمّر يا معلم العمار وطلّعني درجة درجة وأغاني شعبية عالماني ودلعونا وعيونك أخذوني ويا أم الضفاير ويا ليل يا ما فيك غنينا وغيرها .
* "حكاية لبـنان" في "مهرجان الأنوار" عام 1960 وفيه غنّيت بالساحة تلاقينا والحياة في الضيعة ورمشة عينك وموال شو عاد بدي فيك ولبنان يا قطعة سما ولوين يا مروان وليلتنا ويلا يا مرتي شعلي هالنار وغيرها ؛
* "طواحين اللـيل" في "مهرجانات جبيل" عام 1960 وفيه غنّيت موال يوم التلاتا والمجد مزنّر ماضينا وآه يا بني ولمّن دخلتوا الدار وغيرها ؛
* " مهرجانــات الأرز" عام 1963 وفيه غنيت يا أرز يا صامد بأعلى جبالنا وخضرا يا بلادي وأبو المرجلة وسيجنا لبنان وغيرها ؛
* "أرضـنا الى الأبــد" في " مهرجانات بعلبك الدولية " عام 1964 ؛ فيه غنيت الزلزال وكبيرة يا ابني فرحتي والكبة هيدي أكلتنا ويا أم العين الكحلا ويا جرن انت ال من حجر لبنان وغيرها ؛
* "نهــر الوفــا" في "مهرجان وادي فينيقيا" عام 1965 ، غنيت فيه وكان وكان ما كان وخيي الأبد لبنان وفي نهر الوفا ولبنان جنة صفا وغيرها ؛
* "بحــر اللولو " في "مهرجانات بيت الدين" عام 1970 وغنيت فيه يا بحر يا دوار وليالي العمر وبتذكر الإيـّام وغيرها ؛
* "هالأرض منــا " في "مهرجانات مزيارة " عام 1971 وغنيت فيه لا اللبناني من لبنان ولبنان غايتنا ولفيوا الغياب ويسعد مسا أهلك ويا ابني يمكن ما نعيش ؛
* "مدينــة الفــرح" في "مهرجانات بيت الدين" عام 1971 وغنيت فيه انت وأنا يا ليل وبتذكر الأيام والرعيان ويا قمر الدار ويا معمر للعز دياره وطاير طاير ويا بو مرعي وغيرها ؛
* "مدينــة الفــرح" في "مهرجانات بيت الدين" عام 1972 وفيه غنيت بعدن ببالي وبلدي وبهالكيس موجود السر وزرعنا تلالك وطال الحكي وغزلان بلادي ولرميلك حالي من العالي والليل يا ليلى والمجد معمرها ووين بدك وين نتلاقى وغيرها ؛
* "وتضلّـوا بخيــر" في "مهرجانات بعلبك الدولية" عام 1974 وغنّيت فيه طيري يا يمامة وموّال شروقي قاصد حماكم وقومي تا نمشي ويا ريت جنكيزخان ويا خيام الهنا وغيرها.

بعد ذلك جاء الطوفان فأجهض المشروع الموسيقي اللبناني الى غير رجعة . أحرقت الحرب الأهلية كل أخضر ويابس وشتّـتت من لم تحرقه الى غربة وطنية وفنّية لم يعد منها . رحنا نجوب بلاد الغربة جيئة وذهاباً حتى استقرّت رحالي أخيراً في باريس ، ولم تتسنّ لنا العودة الى الوطن إلا بعد أن وضعت الحرب الأهلية البغيضة أوزارها في مطلع التسعينات من القرن الماضي . إلا أنّ قطار العمر كان قد فاتني وقد بتّ في خريف العمر وقد تخطّيت السبعين من عمري ، ولم يعد لي ما كان من طاقة على العطاء فلم أغنّ بعد ذلك جديداً إلا في باب الابتهالات الدينية والأدعية ولم آت بجديد ذي بال يرسخ في الأذهان كقـديم ما غنّيت من الغناء الريفي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق