السبت، 3 أكتوبر 2015

رائدة المسرح العراقي الفنانة زينب



مبدعون عراقيون.. في المنافي
( زينب .. رائدة المسرح العراقي )
هل الناس الذين سيأتون بعد مائة عام .. سيذكرونا أم ينسونا ؟؟

د. جمانة القروي
هذه الجملة قالها الكاتب العظيم تشيخوف في مسرحية " الشقيقات الثلاث " وكأنه كان يتنبأ بالمستقبل ويخاف الأيام التي قد تعبث بذاكرة الناس فلا يعودوا يتذكرون مبدعيهم وصانعي تراثهم ..
فهل يذكر العراقيون الفنانة زينب ؟؟
فنانة مسرحية معطاءة .. عرفتها مسارح بغداد والمحافظات ، ممثلة ملتزمة نذرت فنها من اجل مسرح عراقي تقدمي هادف يرفع من مستوى الذوق الفني العام .. مناضلة تقدمية شجاعة أوقفت حياتها وفنها من أجل قضية شعبها ووطنها..
فهل بقى أحد من جيل الخمسينيات والستينيات الذي سحق تحت رحى التعذيب والإرهاب والمقابر الجماعية يتذكر صرختها وهي تقول " أنة أمك يا شاكر "!!!
وهل يعرف جيل السبعينيات والثمانينيات .. جيل الحصار والحروب والقمع من هي " سليمة الخبازة " في النخلة والجيران لرائعة غائب طعمة فرمان .. فأين لهم ذلك وسلطة الموت والخوف حرفت تاريخ العراق وطمست كل ما هو تقدمي ووطني ...
من هي زينب ؟؟
امرأة متسلحة بالطيبة والبساطة ، ذات قيم ومبادئ.. مناضلة إيمانها ثابت بقضايا شعبنا الأساسية .. فنانة ذات موهبة إبداعية رفيعة ..
ولدت فنانة الشعب زينب " فخرية عبد الكريم " في بغداد بين أحضان عائلة وطنية معروفة في مقارعتها للظلم والتعسف والاستعمار والإقطاع ، كان والدها يعمل مديرا للزراعة ، وبحكم ذلك انتقل وعائلته إلى العديد من المحافظات العراقية ومنها محافظة الناصرية " ذي قار " حيث نشأت وترعرعت هناك.. ثم انتقلت إلى محافظة الكوت " واسط " لتكمل فيها المرحلة المتوسطة.. ثم عادت إلى بغداد وهناك تابعة دراستها الإعدادية ثم دخلت دار المعلمين العالية وتخرجت منها ..
في عام 1948 دخلت المعترك السياسي ، فكان لها دور بارز ومتميز في الكفاح الذي خاضه شعبنا ضد معاهدة بورتسموث وحكومة صالح جبر أبان وثبة كانون المجيدة ، حيث كانت زينب في مقدمة المظاهرات الطلابية التي اجتاحت بغداد آنذاك.. انتمت إلى الحزب الشيوعي عام 1950 .. وساهمت بشكل فعال في المظاهرات التي اجتاحت بغداد في تشرين الثاني عام 1952 وما رافقها من المعارك الدموية التي خاضها شعبنا ضد حكوماته الرجعية ..
كان عام 1952حافلا بالإحداث المهمة في حياتها ، حيث عينت مدرسة في ثانوية الكوت للبنات وبسبب نشاطها السياسي تعرضت إلى الكثير من المضايقات حيث انتقلت للعمل في العديد من محافظات العراق .. قدمت مسرحية " زواج بالإكراه " تأليفها وإخراجها وقد مثلتها مع نخبة من معلمات وطالبات مدرسة الرمادي للبنات وخصص ريعها للطالبات الفقيرات وقد أثارت المسرحية ضجة كبيرة و تعرضت بسببها زينب للقذف والتشهير .. فصلت من الوظيفة عام 1954 بسب نشاطها السياسي أبان الهجمة الشرسة على الحركة الوطنية .. اختيرت عام 1956 من بين عشر ممثلات لتأدية دور " فهيمة " مع الفنان يوسف العاني ومن خلال دورها هذا برزت كممثلة موهوبة ويعتبر فلم " سعيد أفندي " أول عمل جاد قدمته للسينما العراقية ..
عند قيام ثورة 14 تموز المجيدة سنة 1958 أعيدت زينب إلى وظيفتها كمدرسة ثانوية . كان لها دور مشهود في الدفاع عن الثورة ، حيث قادت المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت مساندة للثورة .. يقول زوجها المخرج لطيف صالح " عندما سمعت زينب البيان الأول لثورة تموز خرجت من بيتها " في الحلة" وهي تزغرد وتصرخ انتصرت الثورة مما أثار الناس فتجمعوا حولها وهي ما تزال تهتف للثورة وتبرع أحد الباعة المتجولين بعربته لتصعد عليها زينب وهي تزغرد وتهتف فرحا بانتصار الشعب والجيش "..
التحقت الفنانة زينب بفرقة " المسرح الحديث " سنة 1959 ، حيث قدمت أول أدوارها وهو أم شاكر في مسرحية " انه أمك يا شاكر " .. مع الفنان يوسف العاني .. ثم توالت أعمالها المسرحية والتلفزيونية والسينمائية والإذاعية .. إلى جانب موهبتها الفنية ، كانت تكتب القصة القصيرة وكذلك التمثيليات الإذاعية ، كان يسمع لها كل أسبوع تمثيلية إذاعية من تأليفها .. استمرت الفنانة زينب في عطائها الفني إلى أن وقع انقلاب 8 شباط عام 1963 المشؤوم ، فخرجت لتؤدي واجبها الوطني في الدفاع عن ثورة 14 تموز المجيدة مع جماهير الشعب من اجل بقاء شعلة الثورة وهاجة ، إلا أن أعداء الشعب القتلة كانوا قد صمموا واعدوا كل شئ من اجل وئد الثورة .. فاضطرت للهروب إلى كردستان والمكوث هناك حوالي السنة ونصف السنة ، إلا أنها عادت إلى بغداد عام 1965 لممارسة نشاطها في المنظمات النسائية وعملت كمدرسة في مدرسة النجاح الأهلية ..
أعيدت زينب إلى وظيفتها أسوة بباقي المفصولين السياسيين عام 1968 حيث عينت في مدرسة ثانوية المنصور ثم أصبحت فيما بعد مشرفة تربوية .. في نفس العام مثلت مع الفنان خليل شوقي فلم " الحارس " الذي حاز على الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج السينمائي في تونس ..
أزدهر عطاء الفنانة زينب الفني في السنوات التالية من خلال فرقة " المسرح الفني الحديث " فمثلت أدوار جادة وهادفة في مسرحيات " تموز يقرع الناقوس " و " الخرابة " و " الخان " و " بيت بر نادا ألبا " التي حازت فيها على جائزة أحسن ممثلة في العراق أما دورها في مسرحية " النخلة والجيران "فقد كان نقلة هامة في حياتها الفنية ، فمن منا لا يذكر " سليمة الخبازة "؟؟
لم يقتصر عطاءها الفني على السينما والمسرح ، بل قدمت أعمالا كثيرة للإذاعة والتلفزيون ومن أهم تلك الأعمال " الربح والحب " ، " بائع الأحذية " وقد نالت عن هذين العملين الجائزة الأولى في مهرجان الخليج التلفزيوني ..
اقترنت الفنانة زينب بالمخرج والفنان لطيف صالح عام 1970 ليكون رفيق مشوارها الفني والسياسي .. عملت في نقابة الفنانين وفي اتحاد الأدباء ورابطة المرأة العراقية منذ تأسيسها .
بعد الهجمة البعثية الشرسة ضد كل القوى التقدمية والديمقراطية عام 1978 يقول الفنان لطيف صالح " كانت فترة رهيبة ومظلمة ، مظلمة جدا ، فقد قطع التيار الكهربائي عن مسرح بغداد أثناء عرض مسرحية " بيت برنا ردا ألبا" فاضطررنا إلى إشعال الشموع والفوانيس .. والاستعانة بممثلات أخريات من خارج الفرقة لإكمال العرض حيث اضطرت ممثلات المسرحية ترك العراق .. ورغم ذلك كان الجمهور يصفق بحرارة في نهاية كل عرض ، إلى أن منعت المسرحية نهائيا " ثم منعت الفنانة زينب من دخول الإذاعة والتلفزيون ومنعت حتى كتاباتها فاضطرت لمغادرة العراق عام 1979...
زينب والمنافي ..
أصعب شئ على الفنان الملتزم الذي يحترم فنه وخشبة المسرح التي يقف عليها .. هو الابتعاد عنها.. يحس وكأنه انتهى ، يشعر بفراغ في أعماقه ، هناك شئ ما ينقصه.. لذلك لم يكن من السهل على فنانة الشعب ترك وطنها .. كانت تذرف الدمع الحار عندما كانت تفكر بذلك .. لكنها في النهاية أذعنت لصوت الغربة والاغتراب .. من اجل الحفاظ على اسمها وشرفها وفنها...
عشقها للمسرح جعلها تشكل فرقة مسرحية في كل المنافي التي عاشت بها .. جعلها تمثل مع هواة وهي الممثلة ذات التاريخ الحافل..همها الوحيد تنشئة جيل جديد ينهض بالمسرح من بعدها .. ذللت كل تلك العقبات من اجل أن يكون هناك مسرح هادف يقرب الناس من وطنهم ويحميهم من وحشة الغربة ...
لقد مرت زينب في العديد من المحطات بعد مغادرتها العراق أوائل شهر كانون الثاني 1979.. فما أن تفتح حقائبها في أي دولة حتى تحزمها من جديد لترحل إلى بلد آخر.. الكويت كانت أولى تلك المحطات ثم لندن لتمكث هناك 60 يوما .. سافرت إلى بلغاريا لتبقى فيها ثلاثة اشهر .. وفي نهاية شهر تموز من العام نفسه سافرت إلى عدن ، حيث عينت هناك مستشارة فنية في وزارة التربية ومشرفة على إجازة التمثيليات التلفزيونية ...
في عدن أسست فرقة مسرحية باسم " فرقة الصداقة " تولت رئاستها وقد استفادت من طاقات خريجي معهد وأكاديمية الفنون الجميلة ممن اضطرتهم ظروف العراق إلى مغادرته .. وكان أول عمل مسرحي مثلته الفرقة بعد تأسيسها " مغامرة راس المملوك جابر " تأليف سعد الله ونوس وإخراج لطيف صالح وعرضت على المسرح الوطني في عدن ، ومسارح أخرى وفي محافظة أبين وكذلك في معسكرات الجيش اليمني .. ثم قدمت الفرقة رواية " ألام " لمكسيم غور كي والتي كان قد مسرحها بر يخت واشترك فيها أيضا عدد كبير من الممثلين وأخرجها سلام الصكر.. كما قدمت الفرقة مسرحية " غرف التعذيب " من خراج سلام الصكر أيضا ..
نشطت زينب في مجال الصحافة ، كانت تكتب الشعر والقصة القصيرة والعديد من المقالات التي نشرتها في جريدة 14 أكتوبر ..
منتصف عام 1981 حملت حقائبها مرة أخرى لتكون دمشق محطتها الجديدة والتي كانت حافلة بإبداعها .. إذ عينت في وزارة الثقافة .. وأسست فرقة " بابل " المسرحية التي كانت تضم مجموعة كبيرة من الممثلين .. كانت أول أعمالها مسرحية " الحصار " من تأليف عادل كاظم ، وإخراج لطيف صالح والتي لاقت نجاحا كبيرا.. ثم مسرحية " ثورة الموتى " من إخراج سعد السامرائي .. وتوالت الأعمال فقدمت مسرحية " وحشة وقصص أخرى " من إخراج روناك شوقي وقد عرض هذا العمل في مهرجان دمشق الدولي حيث اعتبرت فرقة بابل ممثلة العراق في المهرجان وذلك لغياب الفرقة القومية عنه .. كما قدمت مسرحية " قسمة والحلم "من إخراج سلام الصكر .. كان لا يفوت زينب الاحتفال بيوم المسرح العالمي كل عام فقد كانت حريصة على تقديم عرض مسرحي بهذه المناسبة .. خلال وجودها في دمشق قامت بتأليف وتمثيل التمثيلية الإذاعية اليومية لإذاعة صوت الشعب العراقي ..
تركت الشام سنة 1990متوجة إلى بلغاريا للالتحاق بزوجها بعد حصوله على بعثة لإكمال دراسة الدكتوراه .. وبسبب الأوضاع الاستثنائية التي كانت تمر بها الدول الاشتراكية لم تمكث زينب سوى بضعة اشهر هناك..
حملت حقائبها هذه المرة إلى بلاد الصقيع إلى " ستوكهولم "عاصمة السويد في 22 تموز 1990 ، وانتقلت إلى مدن أخرى ليستقر بها المقام أخيرا في مدينة " يتبوري " .. كان أول شئ فكرت به الفنانة زينب هو إنشاء فرقة مسرحية ..
منتصف عام 1991 شكلت فرقة " سو مر " المسرحية من الهواة واختيرت زينب مديرا فنيا لها .. باكورة اعمل فرقة سو مر كان في يوم المسرح العالمي " صور شعبية وصورة " من تأليفها واستمر العرض لثلاث ليالي متتالية ، كما قدمت الفرقة مشهدا من مسرحية " مغامرة راس المملوك جابر " بعنوان " الجوع " .. ثم عرضت سو مر مسرحية " أنة أمك يا شاكر " ومسرحية " قارب في غابة " .. ثم مسرحية " يا غريب اذكر هلك "..
أهم الأعمال المسرحية للفنانة زينب
أنة أمك ي شاكر / رسالة مفقودة / الخال فانيا / الخان/ الشريعة / تموز يقرع الناقوس / قسمة والحلم / الحصار / النخلة والجيران / الخرابة / شعيط ومعيط وجرار الخيط / الينبوع / وحشة وقصص أخرى / ألام / مغامرة راس المملوك جابر / بغداد الأزل بين الجدل والهزل / سوليف يا ليل / صور شعبية وصورة / فوانيس / شفاه حزينة / ثورة الموتى / المملكة السوداء / ست دراهم / بيت برنا ردا ألبا / دون خوان / نفوس / صور جديدة / هاملت عربيا / أنا ضمير المتكلم.
أهم أعمالها في المنافي ..
" ألام " التي قدمت في عدن ..
" وحشة وقصص أخرى " " قسمة والحلم" في دمشق ..
" صور شعبية وصورة " في المنفى الأخير" السويد ..
زينب .. جرد حساب آخر ..
عشرات الأعمال الفنية والتلفزيونية .. مئات الأعمال الإذاعية تأليفا وتمثيلا ..
# الأفلام ..
سعيد أفندي / أبو هيلة / الحارس
# الجوائز ..
افضل ممثلة عن دورها في مسرحية " بيت برنا رندا ألبا "
أفضل ممثلة عن دورها في بائع الأحذية " جائزة التلفزيون الخليجي "
جائزة مهرجان قرطاج السينمائي لفلم الحارس
مسلسلات تأليفاً..
الساقية المهجورة
أمل والريح
في مهب الريح
ما فات القطار " سجلت للتلفزيون الكويتي " ..


رحلت وعيونها شاخصة نحو العراق ..
لم يكن الموت بحد ذاته يخيفها أو يرعبها لكن لوعة فراق الأحبة والوطن .. أن يحتويها ثرى العراق المروي بماء دجلة والفرات .. هذا ما كان يخيفها .. كانت دائما تردد لماذا ؟؟ .. وعلى ماذا نخاف بعد فقدنا وطننا ..
كانت صحتها جيدة لا تشكو شيئا .. متفائلة دائما ونشيطة .. محبة للحياة ..إلا أن هاجسا غريبا لازمها منذ زمن بعيد وشكاً كان يراودها باستمرار ، بأنها ستكون ضحية ذلك المرض الخبيث ..
في عام 1994 شعرت بوهن في ساقيها، راجعت على أثر ذلك الأطباء ، الذين ركزوا على المفاصل .. لم يكتشفوا المرض إلا بعد أن استفحل وبالصدفة رغم أنها كانت تخضع للتحاليل المختبرية الأسبوعية .. عندما علمت بحقيقة مرضها لم تخنها شجاعتها في مواجهة مصيرها .. كانت تضحك وتمزح مع زوارها، بمعنويات عالية جدا وتحملت بصبر وصمت آلامها .. حتى رحيلها يوم 13 آب 1998 .. حيث خرجت لوداعها جموع غفيرة من العراقيات والعراقيين على اختلاف أديانهم وميولهم واتجاهاتهم ، بالإضافة لعشرات الشخصيات والوجوه السياسية والثقافية والفنية من مختلف أنحاء العالم .. في موكب مهيب لم تشهد السويد مثله من قبل .
حيث تقدمت الموكب دراجتان ناريتان لشركة المرور وسيارة خاصة فيها نعش الفقيدة ملفوفاً بعلم عراق 14 تموز ومكسواً بأكاليل الزهور .. كما ألقيت في المقبرة كلمات مؤثرة لوداع فنانة الشعب زينب ..
سنحدث الناس عنك .. كل الناس .. فسيعرفك كل العراق بكل أطيافه وطبقاته .. سيبقى اسمك رمزاً للمسرح الهادف الحر .. وفنك شجرة وارفة حية في قلوب العراقيين ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق