الفنان يترجم همومه إلى إبداع نتلقاه بشكل صادق
واسط – صلاح الربيعي
لم نكن على موعد معه.. ولكن الصدفة جمعت بيننا وبين عدد من زملاء الصحافة والإعلام في ساعة تخللتها استعادة بعض الذكريات للفن العراقي الأصيل وما أصابه من خمول في سنين ماضية بسبب وطأة النهج الواحد وضعف الدعم والانتاج الفني والمتابعة وعدم الانفتاح على الساحة الفنية العربية .. كل ذلك استثمرناه في تسليط الضوء على محطة لفنان جنوبي يحمل نكهة داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وترنيمات قصب وبردي أهوار الناصرية.. بدأ مشواره الفني ضمن انشطة مدرسته الابتدائية بعد أن قدم أغنية (مابي اعوفن هلي) لطائر الجنوب الفنان حسين نعمة الذي كان معلما له في مدرسة اليعربية في الناصرية .. وصف نفسه بالهاو وليس بالمحترف.. انه الفنان علي جودة من مواليد الناصرية عام 1961 حاصل على شهادة الدبلوم بالفنون الموسيقية في معهد الفنون الجميلة ـ ببغداد.. مثل العراق في احدى الفعاليات التي أقيمت في الدول الاسكندينافية عام 1975.. ورغم قلة أعماله الفنية ترك بصمة لايمكن أن تنسى أبدا.. انطلق مع جيل غنائي لن يتكرر.. وقد كان لـ (الزمان) هذا الحوار الذي بدأناه بالسؤال عن بداية الفنان علي جودة ليجيبنا قائلا.. (لقد كانت البداية في عام 1985 حينها خضعت أنا ومجموعة من المتقدمين للاذاعة والتلفزيون (وحيد علي.. حسن بريسم.. كاظم الساهر.. فريدة.. رياض كريم.. أحمد نعمة.. كريم محمد.. سعد عبد الحسين) لاجراء اختبار على يد الفنانين الكبار ياسين الراوي وأحمد الخليل محمد نوشي وبعد الاختبار كانت بداية المشوار الفني الذي لم يكن لي أكثر من هواية فنية شجعني على أن أبدع فها الفنان الكبير فاروق هلال بعدها قدمت أغنية لعيونك الحلوات في تلفزيون العراق وهي من كلمات جبار الغزي والحان جمال فاضل والتي أخذت مداها في الشهرة واصبحت اغنية يرددها الشارع في كل المناسبات.. والاغنية الاخرى زعلان خلي وهي من كلمات محمد المحاويلي والحان كريم هميم.. وبعدها توالت الاعمال الفنية الغنائية التي تميزت بالكلمة الجميلة واللحن المتزن وهذا ماجعل الاغنية العراقية أن تأخذ مكانتها في تأريخ الفن العراقي الذي عرف بأصالته على مدى السنين الماضية..
{ كيف يقيم الفنان علي جودة الاغنية العراقية؟
– لست وحدي من يقيم مستوى الاغنية العراقية وانما اصبح المتلقي والمشاهد اذكى وأدق حتى من الاختصاصيين انفسهم لتقييم مايتم تقديمه اليوم من اغاني على شاشات الفضائيات حيث تسمع نقد من هنا وهناك لأغنيات وصلت الى حد الاساءة باللفظ واللحن المتدني الذي لايتعدى الصخب والفوضى في الصورة والموضوع وكل ذلك يقدم تحت عناوين الفن الخفيف او الفن التجاري او الاغنية السريعة واصبح الغناء بلا ضوابط أو رقابة يمكن ان تضع حدا لتجاوز البعض على الذوق العام..
{ كيف تنظرون الى ما تقدمه الفضائيات..؟
– نحن نعد الثورة التكنولوجية والالكترونية الحديثة سبيلا مناسبا للارتقاء بالفنون وبكل مجالاتها التشكيلية والمسرحية والادبية والثقافية والفنية وان الفضائيات هي فرصة كبيرة في ان يلقى المبدع من خلالها مجاله الواسع لاسيما الفنان في الغناء والموسيقى وان تستثمر تلك الوسائل لتقديم اعمالا فنية راقية وبعيدة عن الاسفاف والتدني حرصا على اصول الفن الذي يعتمد على القواعد الاساسية والعلمية التي وضعها المختصون منذ القدم وعدم الخروج عن المألوف في تقديم الاعمال الغنائية للمتلقي وفقا للمعايير الاخلاقية والانسانية التي يطمح لها العراقيون في كل مكان .. ونحن كفنانين نشعر بالقلق البالغ ازاء كل ما يقدم اليوم من اعمال غنائية هابطة لاتنسجم والذوق العام للمتلقي الذي اصبح متحيرا في اختياراته بعد ان غابت الرقابة الفنية لكثير من الاعمال الغنائية التي اصبحت بمستوى وتوصيفات التجارة الفاسدة في الساحة الغنائية العراقية.
{ ما هو اثر ابتعادكم عن الوطن من الناحية الفنية والشخصية؟
– لقد أجبرتنا الظروف التي عاشها العراق بالمدة الماضية على المغادرة وهنالك الكثير من الفنانين والمبدعين يعيشون خارج العراق ولاسباب مختلفة.. وبالرغم من ذلك فاننا نرى الفنان العراقي قد سجل حضورا فنيا لافتا واصبحت معاناته وهمومه ترجمة للفن الموسيقي والغنائي على مستوى اللحن والكلمة وان كان ذلك يختلف مابين فنان وآخر.. وانا على المستوى الشخصي فقد كلفني الابتعاد عن العراق الكثير وكنت مجبرا على ذلك بعد ان عاش الفن العراقي خلال مدة الاحتلال فترة عصيبة بسبب الوضع السياسي والامني الذي خيم على العراق ولا زلنا كفنانين نعيش فسحة من الأمل بان تستعيد الأغنية العراقية عافيتها مع شعورنا بخطورة عدم التفات الجهات المعنية بالثقافة والفنون الى جيل الفنانين الرواد واعادة النظر بآليات الحفاظ على التراث القديم بكل مايحمله من ألق يستحق ان نقف اليه احتراما وتقديرا كونه هوية للعراق وبصمة لتاريخه.. وبقدر ماأخذت الغربة منا فانها اعطتنا الكثير من الدروس في الحياة ومستوى الصبر على همومنا التي كان أغلبها القلق على مستقبل أهلنا في العراق من النواحي الأمنية والاجتماعية والانسانية بشكل عام.. وهنا يتوجب على الجميع ان يأخذ دوره في تغيير مسارات الحياة الصاخبة بالآلام والمتاعب التي أثقلت كاهل جميع شرائح المجتمع العراقي..
{ كيف تنظر الى حياة الفن في العراق ؟
– لكل واحد منا فلسفته الخاصة بفهمه للحياة وربما يقول البعض بان الفنان العراقي او الفنان بشكل عام يعيش بحبوحة من السعادة واليوميات المترفة التي تتخللها الأجواء السعيدة من الغناء والطرب والسفر والترحال من مكان الى آخر وأنا اقول ان الحياة لمعظم الفنانين لاتخلو من الهموم والمتاعب ولكن بدرجات متباينة لاسيما وان الفنان هو الأكثر احساسا وتلمسا لما يدور من حوله من احداث على الساحة اليومية وبهذا يمكن ان تترجم تلك المتاعب والهموم الى ابداع يأخذ مداه الى المتلقي بشكل صادق.. واذا تناولنا الحياة الفنية في العراق فاننا سنقف على تل من المصاعب والمعوقات التي أثرت بشكل واضح على مسيرة الأغنية بشكل خاص والى الفن بشكل عام.. ولكل منا همه بهذا الجانب ولو سالت اليوم أي فنان عن اسباب تاخره أو عدم حصوله على الفرصة المناسبة للنجاح فانك ستلقى عشرات القضايا والمشاكل التي تسببت بكثير من الاخفاقات لهذا الفنان أو ذاك سواء كان ذلك على المستوى الفني أو الاداري أو المالي ونحن لحد الآن نفتقر الى مؤسسات للانتاج والتسويق الفني وحاجتنا الملحة الى قانون يحمي الفنان ويضمن حقوقه كما هو معمول في بعض بلدان الوطن العربي والعالم..
{ ماهي البرامج التلفزيونية التي تشاهدها على الفضائيات؟
– ان مايستهويني من الفضائيات هي الافلام العلمية وأفلام الطبيعة التي اعتبرها افضل استراحة للذهن بعد ان تجول كاميرات المبدعين والحرفيين في أماكن لايمكن الوصول اليها حتى لو عشنا مئات السنين.. وفي مجال الأغاني فانا لازلت استمع الى أغاني الفنان الراحل داخل حسن والفنان حســـــــــــــــــين نعمة وكبار الفنانين العراقيين ومن خلال ذلك يمكن الحـــــــــــفاظ على ذائقة الفن الأصيل التي لازلنا نحملها في الذاكرة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق