الخميس، 14 يناير 2016

عاصي الرحباني


كانت البداية في أنطلياس, لبنان, حيث ولد عاصي عام 1923, وبعده بعامين ولد شقيقه الأصغر منصور عام 1925.
والدهما حنا الياس الرحباني, كان محكوماً عليه بالإعدام من قبل العثمانيين. إلا أنه تمكن من الهرب والالتجاء في أنطلياس
, إلى الشمال من بيروت, حيث فتح مقهى في منطقة تدعى 'الفوار' على تخوم البلدة. كان المكان معروفاً بجماله الطبيعي, ومياهه النقية, وطقسه اللطيف, مما جعله شعبياً لأولئك الذين يبحثون عن جلسة هادئة وسعيدة. كان حنا صارماً في الأمور التي
تتعلق بالآداب والأخلاق العامة, كان يفصل قسم العائلات عن الأقسام الأخرى بملاءات معلقة, وكان يحظر حتى مسك
اليدين في مطعمه, ونظراً لهذا القانون 'الرحباني' الصارم, كان الكثيرون من أبناء بيروت المحافظين يرسلون عائلاتهم
إلى مقهى 'الفوار' صباحاً مطمئنين إلى حماية حنا, ثم يلحقون بهم بعد العمل. رغم قساوته وتحفظه  كان حنا محباً للموسيقى, كان يعزف على 'البزق' في مساءات المطعم, جامعاً حوله زبائنه والولدين
الصغيرين ليستمعوا إلى عزفه, بالإضافة إلى بضعة أغانٍ قديمة على الفونوغراف, خاصة أغاني أم كلثوم, أمين حسنين, عبد الوهاب, سيد درويش, وغيرهم من مطربي تلك الأيام.كان يمضي عاصي ومنصور ستة أشهر في المدرسة كل سنة, ثم كان يخرجهما والدهما لكي يساعداه في موسم الربيع, قانعاً الأم بأن ما حصلا عليه من علم, كافٍ لتلك السنة. 
نشأ الصبيان في هذا الجو, تشدد في الأخلاق والسلوك من جهة, وموسيقى وفن من ناحية أخرى, ومن ناحية ثالثة,
مناخ قروي بمياه جارية رقراقة خلال الصيف, وفي الشتاء أمطار وعواصف ورعود, يضاف إلى ذلك عامل
مهم جداً لعب دوراً في نشأتهما, وهو جدتهما لأمهما, التي كانت أيضاً محافظة كالأب, لكنها كانت تحفظ الكثير من الحكايا
والخرافات, عن الأبطال الخياليين, القبضايات, الجنيات, وأخبار الحب, كما كانت تنظم الزجل والقراديات, على الرغم
 من كونها أمية. كانت تشجعهما على حفظ ما ملكت أيمانهما من هذا الموروث الشعري.
كل هذه العوامل مجتمعة, ساعدت في نشوء موهبة الصبيين, مع مخيلة جدّ غنية وجدّ مزدهرة, وكان يتضح ذلك
عندما كان يحبسهما الأب في 'العلية' لكي يبقيا بعيدين عن بقية الصبيان, إذ كان عاصي يخترع حكايات عن
 الجن وعن ناس لا يكبرون ولا يهرمون, لكي يتسلى أخوه الصغير, والذي كان يصدق كل ما يقوله.
يروي منصور فيقول: كانت علامات الذكاء واضحة عند عاصي منذ البداية, وكانوا يتوقعون أن يصبح شاعراً
أو فناناً في المستقبل. أما أنا, فكانوا يقولون أني سأصبح قاطع طريق, في أحسن الأحوال.
لم تكن مرحلة الدراسة الأولى منتظمة بالنسبة للأخوين رحباني, مع هذا كان عاصي مواظباً أكثر من منصور,
الذي كان يخترع الحيل والمناورات حتى لا يذهب إلى المدرسة, قائمة المدارس التي تعلما فيها تضم:
مدرسة راهبات عبرين في أنطلياس مدرسة الأستاذ فريد أبو فاضل في أنطلياس
مدرسة الأستاذ كمال مكرزل, والمدرسة اليسوعية في بكفيّا, لمدة سنة واحدة, ثم عادا بعدها إلى أنطلياس.
كان منصور يحب الشعر منذ طفولته, وبدأ أولى محاولاته في كتابة الشعر في سن الثامنة, وفي الثانية عشرة من عمره
 اشترك في مجلة 'المكشوف', وبعدها في مجلات أدبية أخرى. كان عاصي يشاطره قراءتها بشغف كبير, ثم انكبّا على قراءة كتب الفلسفة, وكتب 'طاغور' و'ديستويفسكي' ومسرحيات 'شكسبير'.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق