1987 أسدلت الأميرة هند أبي اللمع الستارة عن حياة تداخل فيها "أبيض وأسود"الشاشة مع محطات ملونة لا زالت راسخة في بال كل من عرفها وأحبها. بقيت حاضرة بقوة،هي المعلمة والحبيبة والزوجة والأم، وفي كل دور كانت تتقن أداء المهمة الى أن دهمها المرض الذي غلبها على الرغم من التوسلات: آلو..حياتي "لا تقولي وداعاً". لكنّ "عازفة الليل"، وان رحلت، فانّها ما زالت تلك "الأميرة" المتربعة دوما على عرش الشاشة المحلية أينما تعرض أعمالها.
"كانت زهرة فيها الفرح والطفولة وكثير من الحزن"، هكذا عرفها الفنان عبدالمجيد مجذوب مسترجعاً صدى صوتها الحزين يوم أبلغته بحقيقة مرضها، وكانت في استراحة من تصوير مسلسل "العقرب". ينقل عن الأميرة:" كنت في غرفتي في المشفى أنظر من خلف النافذة إلى الحديقة في الخارج عندما دخلت علي الطبيبة تشرح لي حقيقة مرضي قائلة :" سيدتي يؤسفني أن أعلمك بأنه لم يتبق لك سوى أشهر قليلة وتغادرين الحياة لأن مرضك لم يعد يتفاعل معه أي علاج. كنت أظن بأنني أحلم ،اذ كنت غارقة في اللوحة الطبيعية أمامي في الحديقة فلم أصدق ما قالته الطبيبة، وعندما استوعبت الحقيقة وعدت إلى لبنان رحت أفكر ماذا بإمكاني أن أفعل في الأيام القليلة المتبقية لي فلم أستطع أن أصل إلى برنامج معين".
والمفارقة كانت، بأن هند أبي اللمع أدّت الى جانب مجذوب دور الحبيبة التي تعاني مرضا عضالا، فشاء القدر أن يكون مصيرها مطابقا لقصة المسلسل، تاركة وراءها آلاف المعجبين وعشرات الأعمال التي أعطت للدراما اللبنانية اللون والقيمة، لكن الخسارة الأكبر كانت على زوجها المخرج أنطوان ريمي وولديها الدكتور ساسين، والمهندس ربيع.
هناك في منزلها بمنطقة الأشرفية السيوفي، أمضت هند الأيام الأخيرة تفكر في كيفية القضاء على مرضها الذي تسلل اليها .كانت مقتنعة بأن ما أصاب قلبها جاء نتيجة لفحة هواء أُصيبت بها في أحد أيام الصيف الملتهب، إذ جلست مقابل المروحة الهوائية فغفت وهي تشعر بالحر وتتصبب عرقا." كانت تبحث دائماً عن سبب وقوعها في هذا المرض الذي لا يصيب إلا قلة نادرة من الناس"، يستعرض ساسين، الإبن الاكبر لهند، والذي يعيش مع عائلته في فرنسا منذ سنوات، ذكريات اللحظات الأخيرة والحرجة في حياة الوالدة .
يقول: "لا أستطيع دخول بيت الطفولة في الأشرفية، إلا وشعرت بأني بحاجة للبكاء على حبيبتي وصديقتي. لا زال صدى صوتها يدغدغ مخيلتي وهي تقول لي "ساسين تعا إتغدى لندرس ونقعد سوا نحضر تلفزيون"، كانت حنونة جداً وعصبية أحياناً، أشتاق الى طبخها، ورائحة عطرها، لم تكن تحب المطاعم والسهر خارج البيت، كانت تطبخ لنا الملوخية والمغربية والكبة، الأكلات التي كان يحبها المطرب فريد الأطرش من يديها، والتي كانت تربطه بوالدتي صلة قرابة، فكلاهما من سلالة الأمراء المعنيين، وكلما أتى الى لبنان، كانت تلتقيه أو يزورنا في منزلنا".
فجر اليوم الأخير، دخل ساسين الى غرفة والده ، فاذا به يجده مستيقظاً. حاول التكلّم معه، فأغمض الأب عينيه ليوحي بأنه نائم "كانت الساعة قد أصبحت السابعة، رنّ جرس المنزل وتفاجأت بالممثل عبد المجيد مجذوب امامي يقول لي (إذهب إلى عملك)، لم أرتح للوضع، وشعرت بأن هناك شيئا قد حصل، عندها دخلت غرفة والدتي انا وشقيقي ربيع، لأجدها باردة، ولم أشعر إلا بالظلام من حولي".
كانت المعارك في أوجها، تم نقل جثمان هند إلى مشفى "اوتيل ديو" في الأشرفية، في انتظار أن يتم إجراء مراسم الدفن والتي كان من المقرر أن تجرى في زغرتا بلدة أنطوان ريمي، لكن الحرب لم تهدأ والوقت لم يسعف لإجراء مراسم دفن تليق بالراحلة، فكان الحل بنقل الجثمان في مركب بحري انطلق من الكرنتينا إلى منطقة شكا، ومن هناك انطلق الموكب إلى زغرتا لوداع أميرة الشاشة اللبنانية.
21 عاماً، عمر الغياب، لكنها من خلال الشاشة، والى جانب الراحل "ابراهيم مرعشلي" والفنان عبدالمجيد مجذوب وغيرهما من الفنانين، ما زال حضورها متوهجاً. كأنها لم تغب، وصوتها يرن بقوة مؤنبا "الأستاذ" وكل من تسوّل له نفسه الاساءة الى الشاشة الصغيرة، مملكتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق