اللقاء الثلاثي
كان من الممكن أن تكون (هان الود) لقاء تاريخيًا أخيرًا, بين شعر رامي, وألحان عبدالوهاب, غير أن القدر كانت له, على ما يبدو, كلمة أخرى, شاءت أن تجمع بين رامي وأم كلثوم وعبدالوهاب, في عمل يتيم. حتى مطلع الستينيات, كان الكل قد يئس من محاولات يائسة للجمع بين عبدالوهاب الملحن, وأم كلثوم المغنية, كانت أشهرها وأكثرها جديّة, محاولات طلعت باشا حرب, في عقد الثلاثينيات, عندما أسس ستديو مصر, وحاول تدشينه بفيلم سينمائي مشترك بين عبدالوهاب وأم كلثوم , ولم تجد الفكرة سبيلا إلى التنفيذ, بالرغم من جدية طلعت حرب, وإصراره على تكرار المحاولة, أكثر من مرة. غير أن دورة الزمن, جعلت هذه الرغبة تنتقل إلى جمال عبدالناصر, الذي كان الاستماع إلى عبدالوهاب وأم كلثوم , في شبابه الأول, جزءًا صميمًا في تكوين وجدانه الإنساني العام. وعندما دقت ساعة اللقاء الأول بين فناني العرب التاريخيين في القرن العشرين: عبدالوهاب وأم كلثوم , استجابة لعوامل كثيرة بينها رغبة عبدالناصر وإلحاحه, كان من حظ الشاعر الغنائي أحمد شفيق كامل, أن يكون شاعر هذا اللقاء التاريخي الأول (أنت عمري), مما يؤكد أن أم كلثوم لم تكن في الغالب مَن اختار شعر الأغنية, لأن أحمد شفيق كامل كان حتى ذلك الوقت خارج إطار مملكتها الغنائية. بينما كان قد كتب أشعارًا وطنية ممتازة ليلحنها عبدالوهاب نشيد الوطن الأكبر الشهير, ومغناة ذكريات, العبقرية, التي لحّنها عبدالوهاب وغناها عبدالحليم حافظ
كذلك, كان اللقاء الثاني بين ألحان عبدالوهاب وحنجرة أم كلثوم , قصيدة وطنية من أروع ما لحّن عبدالوهاب لأم كلثوم وقد تكون الأروع, في رأيي, على باب مصر, وكانت من كلمات صديق عبدالوهاب أيضًا, الشاعر الكبير كامل الشناوي. ولكن, ما إن دقت ساعة اللقاء الثالث بين عبدالوهاب وأم كلثوم , الذي كان قد تحوّل بعد أنت عمري, لقاء سنويًا ثابتًا, حتى رحيل أم كلثوم , حتى كان شعر أحمد رامي قد دخل حلبة اللقاءات التاريخية بين أم كلثوم وعبدالوهاب. الغريب في هذا الأمر, أن المنطق كان يفترض أنه مادام الحذر الفني الشديد عند الطرفين, كان أهم أسباب التباعد السابق بينهما, فالأرجح أن يكون شاعرهما المشترك في العشرينيات والثلاثينيات, هو واسطة العقد بينهما. لكن ما حدث, أن رامي تأخر حتى لحّن عبدالوهاب الثالث لأم كلثوم , كما أن انت الحب الرائعة, كانت أول وآخر عمل فني جمع بين رامي وأم كلثوم وعبدالوهاب. ولا يجوز اختتام أحداث هذا اللقاء اليتيم بين العباقرة الثلاثة, دون الملاحظة, أن امتداد العلاقة الفنية والشخصية بين الثلاثة, عودة إلى عقد العشرينيات, كانت - بلاشك - السبب الأول وراء اتجاه عبدالوهاب (بعد انت عمري) إلى العودة بألحانه لأم كلثوم إلى كلاسيكية رصينة جعلت من (انت الحب) بين أجمل وأقوى ما لحّن لها, وبين أكثر هذه الأعمال تماسكًا في بنائها الفني الشامخ, مع أنها لا تحتل في ذاكرة الجماهير العربية, الموقع الذي تستحق, غير أن غربال التاريخ الفني سيعيد إنصافها, على ما أرجح, ويعيدها إلى موقعها الصحيح بين لقاءات أم كلثوم وعبدالوهاب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق