الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

خصوصية الغناء الريفي



خصوصية الغناء الريفي العراقي وخصوبته
صلاح حسن -إيلاف:
تقول الحكمة السومرية المكتوبة بالخط المسماري على لوح الطين : " حيث ما تغمر المياه الأرض ينمو الخير وتخرج أجنحة السعادة إلى الوجود" . هكذا يتجلى الإرث الحضاري للجنوب العراقي الذي شيدت على أرضه أهم الحضارات البشرية مثل السومرية والبابلية والاكدية. فقد ظل الغناء الريفي في جنوب العراق متأثرًا بالبيئة التي احتضنته بسهلها وخصوبة أرضها والأنهار التي ارتوت منها . الطبيعة الفريدة في الجنوب لا نجدها في أي بلد في المنطقة وأهم عناصرها الاهوار والمساحات المائية التي تشكلت عبر آلاف السنين . تميز إنسان الاهوار بنمط اقتصادي واجتماعي وحضاري معين ، فنباتاته وحيواناته متميزة وليست في العالـم العربي أقاليم كثيرة مماثلة له حيث يوجد في الجنوب وعلى حافات الأنهار والاهوار أفضل أنواع النخيل في العالم في محافظتي ذي قار وميسان . بحدود 8350 كيلومترًا مربعًا موزعة على الاهوار الثلاثة ( هور الحمار والحويزة اهوار القرنة ) وألان تمت إعادة ما يقارب من 3350 كيلومترا أي ما يصل إلى 40%.
أما في البصرة ملتقى نهري دجلة والفرات اللذين يشكلان شط العرب فتعد من المناطق الأكثر خصوبة في العالم، لذا تجد الصورة والمفردة الشعرية في الأغنية الجنوبية ليست كمثيلتها في المناطق الأخرى. تحت تأثير هذا التكوين الطبيعي والبيئي تكيفت أصوات المغنين بالفطرة لتأتي منسجمة مع إيقاع الحياة العام ومنسجمة نغميًا مع أصوات الطبيعة المائية الخضراء. إما الإرث الموسيقي للمنطقة فقد تجلى باكتشاف أول الآلات الموسيقية مثل القيثارة في الحضارة السومرية ( أكثر من 7 آلاف سنة ) والتي تعد اقدم آلة موسيقية وترية عرفها الإنسان وآلة العود في الحضارة الاكدية وهي أول آلة موسيقية ذات ذراع عرفها الإنسان (4500 سنة ) .
لا بد لنا أن نعرف أن انسياب القارب البطيء والمنزلق بسلاسة على مياه الاهوار باعتباره الوسيلة الأهم للتنقل هناك ، هذه الحركة الإيقاعية الحياتية اليومية لا بد لها أن تخلق إيقاعًا بطيئًا انسيابيًا في الموسيقى يختلف عن إيقاع المدينة الصاخب ويختلف عن أي إيقاع آخر في أي ريف آخر سواء كان جبليا أو صحراويًا. لا بد لهذه الطبيعة الجغرافية ان تخلق نغمة موسيقية ممدودة و طويلة بسبب الأفق المفتوح الذي لا ينتج الكثير من الترددات الصوتية ولكنه يصدر امتدادًا صوتيًا مستمرًا وطويلاً في حالة الغناء او التصويت على العكس منه في المناطق الصحراوية ذات الأفق الواسع وألا رضية الرملية التي تمتص الصوت فلا ترددات ولا امتداد صوتي، أما في المناطق الريفية او الجبلية فالترددات الصوتية كثيرة بسبب الصدى الذي تعكسه الجبال. بهذا المثال الذي يُرينا كيف يكون للبيئة الدور المتميز في تكون الموسيقى نستطيع أن ندرك سر اختلاف الموسيقى الريفية الجنوبية العراقية وتفردها عن الألوان الموسيقية الأخرى في العراق والوطن العربي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق